روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | يبكي لسماع القرآن ويسيء لوالديه.. فهل هذا نفاق؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > يبكي لسماع القرآن ويسيء لوالديه.. فهل هذا نفاق؟


  يبكي لسماع القرآن ويسيء لوالديه.. فهل هذا نفاق؟
     عدد مرات المشاهدة: 1737        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله.. أولًا: نرى – أخي الفاضل – أن سؤالك عن نفسك إن كنت منافقًا أم لا: يدل على خيرٍ عظيم عندك إن شاء الله؛ وذلك أن خوف المسلم على نفسه من أن يكون واقعًا في النفاق يدل على حياة قلبه.

وعلى حرصه على إيمانه أن يُخدش، َقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا، وقال الحسن البصري – عن النفاق -: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ.

قال ابن القيم رحمه الله:

وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة، ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقيها على أنفسهم أن يكونوا منهم، فكان عمر يقول لحذيفة: ناشدتك الله هل سماني رسول الله مع القوم؟

فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا، يعني: لا أفتح عليّ هذا الباب في تزكية الناس، وليس معناه أنه لم يَبرأ من النفاق غيرك.

" طريق الهجرتين " (ص 604).

وقد خاف كبار الأولياء على أنفسهم من هذا:

1. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم: عائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة , فهؤلاء ممن سمع منهم.

وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء: كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص , وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال.

ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم , بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم.

" فتح الباري " لابن حجر (1 / 110، 111).

2. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

وقال الجعد أبو عثمان: قلت لأبي رجاء العطاردي: هل أدركت من أدركت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ قال: نعم، إني أدركت بحمد الله منهم صدرًا حسنًا، نعم، شديدًا، نعم، شديدًا، وكان قد أدرك عمر.

3. وقال – رحمه الله -:

وممن كان يتعوذ من النفاق من الصحابة: حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري، وأما التابعون: فكثير، قال ابن سيرين: ما علي شيء أخوف من هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) البقرة/ 8.

وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي، وقال معاوية بن قرة: كان عمر يخشاه وآمنه أنا؟، وكلام الحسن في هذا المعنى كثير جدًّا، وكذلك كلام أئمة الإسلام بعدهم.

وقال الإمام أحمد - في رواية ابن هانيء وسئل: ما تقول فيمن لا يخاف النفاق على نفسه؟، - فقال: ومن يأمن على نفسه النفاق؟.

" فتح الباري " لابن رجب (1 / 178، 179).

وانتبه – أخي الفاضل – إلى أمرين مهمين:

الأول: أن أولئك الأئمة من الصحابة ومن بعدهم كان النفاق الذين يخشونه هو نفاق العمل، وهو الطريق إلى نفاق القلب الذي يودي بصاحبه إلى النار – والعياذ بالله -.

وهذا النفاق هو الوارد في جملة من الأحاديث تحذر المسلم من التخلق بأخلاقهم، ومنها:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خََصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.

رواه البخاري (34) ومسلم (58).

ورواه الترمذي – رحمه الله - (2632) وقال بعده:

وإنما معنى هذا عند أهل العلم: نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي عن الحسن البصري شيء من هذا أنه قال: النفاق نفاقان: نفاق العمل، ونفاق التكذيب.
انتهى

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

وأصل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره: أن النفاق أصغر، وأكبر؛ فالنفاق الأصغر: هو نفاق العمل، وهو الذي خافه هؤلاء على أنفسهم؛ وهو باب النفاق الأكبر، فيُخشى على من غلب عليه خصال النفاق الأصغر في حياته أن يخرجه ذلك إلى النفاق الأكبر حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية، كما قال تعالى (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) الصف/ 5.

وقال: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة) الأنعام/ 110.

" فتح الباري " لابن رجب (1 / 179).

وللإمام النووي شرح مستوفى لهذا الحديث لا يخرج عن هذا، فلينظر في " شرح مسلم " له (2 / 46 – 48).

والأمر الثاني: أن هؤلاء الكبار كانوا أبر الناس قلوبًا، وأشدهم تعظيمًا لحرمات، وأبعدهم عن انتهاك حدوده، لكن الواحد منهم لكمال علمه بربه، وخوفه من مقامه، يرى الذنب الصغير – إن وقع فيه – كبيرًا، بل كان بعضهم يخاف من الرياء.

وآخر يخاف أن يكون مقصرًا في العمل فيكون قوله مخالفًا لفعله، وآخرون ظنوا أن اشتغالهم بالمباح في بيوتهم مع زوجاتهم، وأولادهم مع وجود الخشوع والرقة في مجالس الذكر ظنوا ذلك من النفاق.

عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
رواه مسلم (2750).

قال النووي – رحمه الله -:

قوله: (عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات)

قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به , أي: عالجنا معايشنا وحظوظنا , والضيعات: وهي: معاش الرجل من مال، أو حرفة، أو صناعة.

قوله: (نافق حنظلة) معناه: أنه خاف أنه منافق , حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم , ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر , والإقبال على الآخرة , فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا.

وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر , فخاف أن يكون ذلك نفاقا , فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق , وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك , (ساعة وساعة) أي: ساعة كذا وساعة كذا.

" شرح مسلم " (17 / 66، 67).

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية: خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل، والأولاد، والأموال أن يكون ذلك منه نفاقًا، كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي... – وساق الحديث -.

" فتح الباري " لابن رجب (1 / 111).

وأما بالنسبة لحالك: فإنك يجب عليك أن تخاف أكثر من خوف أولئك الأولياء الأطهار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ وذلك لأنك تعصي الله تعالى بفعل العادة السرية، وبإساءتك لوالديك، وقولك " ورفع صوتي شيئًا ما على والداي "!:

لا ينجيك من التوعد بالعقوبة، وأنت قد نهيت أن تقول لوالديك " أف " فكيف برفع الصوت عليهما؟! فالواجب عليك الحذر من أن تؤدي معاصيك لخاتمة سوء!.
والبخاري – رحمه الله – بوَّب على ما رواه عن إبراهيم التيمي وابن أبي مليكة والحسن البصري – مما ذكرناه عنهم آنفًا – بقوله " قال البخاري – رحمه الله -: " بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ ".

وختم تبويبه بقوله:

" وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ".

انتهى

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

وقول البخاري بعد ذلك: " وما يحذر من الإصرار عل النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون): فمراده: أن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة يُخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص، وإلى سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: " إن المعاصي بريد الكفر ".

" فتح الباري " لابن رجب (1 / 181).

ثانيًا:

إننا ندعوك للاستمرار على رقة القلب والبكاء عند سماع القرآن، وسماع المواعظ، وفي الوقت نفسه ندعوك للتوبة من فعل المعاصي، وندعوك للكف عن العادة السيئة، وندعوك للكف عن الإساءة لوالديك، والمسارعة للتأسف منهما، والبر بهما، والإحسان إليهما بالقول والفعل، واحذر من الاستمرار على المعاصي دون توبة، واعلم أنه ليس الخائف من بكى وعصر عينيه، ولكن الخائف من ترك الأمر الذي يخاف أن يعاقب عليه.

وما نقلناه لك من الوعيد على ذلك كافٍ لك – إن شاء الله – لأن تبادر إلى التوبة والإنابة إلى الله.

والله أعلم

المصدر: موقع نواحي